إثبت مكانك

من الجدير بالذكر أن القوى الاسلامية (ورأسها الإخوان) استطاعت الانتصار بحرفية شديدة في عدة مراحل، ولا يفوتني الذكر أيضا أنهم خرجوا بخسائر تأخذ شكل ومضمون المكاسب في نفس الوقت، فمنطقي جدا ان من يقول "الدماء أو الشهداء وقود الثورة أو المعركة" هو من يتخذ من جثث ضحاياه مادة خصبة وفعاله لترويج قضيته. وقد نجح على الأرض في تحقيق الأهداف التالية:

1 - تعمد إفشال كل المفاوضات السياسية لفض سلمي للاعتصام (والحفاظ على الأرواح بالمشاركة السياسية وإعطاء فرصة أخرى للعودة للعمل السياسي)، والقبول بمبدأ "إما عودة الاسلاميين للحكم، إما الجهاد" (وقد أصرت الحكومة، بتأييد البرادعي، على التعامل مع الاعتصامين على أساس أنه سلمي خال من الأسلحة أو التعذيب أو القتل أو ترويع المواطنين في سكنهم أو التحريض على القتل والكراهية والتطرف الديني وبناء أسوار واقية من الخراسانات للتأهب للحرب والسخرية من الحكومة انها لم تفض الاعتصام).
2 - وترتب على ذلك اللجوء القانوني للحكومة الحالية إلى الخيار الأمني، وكان من المنطقي ان تتم عملية الفض بعنصر المفاجأة ليفقد الخصم المسلح قدرته على التأهب والتجهير لتفادي عدد كبير من الخسائر البشرية. وقد حدث، لكن حاملي السلاح أصروا على المجابهة الصريحة ونتيجة العند سقط من المعتصمين من كان يحمل السلاح ومن لم يحمل.
3 - رغم أن سقوط الضحايا في الطرفين منطقي ووارد، ومع الأخذ في الاعتبار أن التصويب على المعتدي عن بُعد قد بل بالتاكيد، يؤدي الى سقوط ضحايا لا يحملون السلاح (ومنهم النسوة او الأطفال) فمن السهل جدا أن تُستغل من الطرف المعتصم استغلالا للدعاية المؤثرة، والتصميم على ذلك بعدم تلبية دعوات وانذارات الأمن الصوتية قبل عملية الفض بإخلاء المكان والإصرار على عدم ترك المكان. 
4 - نتج عن عملية الفض عدد كبير من القتلى من الطرف المؤيد الإخوان وتم استغلال صور القتلى للدعاية التلفازية لشحن المجتمع الدولي (والمحلي) ضد القوى الثورية، والدليل تصميمهم على عدم تسليم الجثث أو المصابين للجهات الطبية والمستشفيات (بادعاء أنهم خائفون من الأمن)، بل نقلها الى المساجد ورصها صفوفا بالأكفنة لتؤدي لانهيار مشاعر الناس. وتتم بعدها تصوير مشاهد القتلى والجرحى، الذين حُرموا (من الإخوان) من الإنقاذ، في مشرحة زينهم.
5 - بداية الانتصار الاستراتيجي (وبعيدا عن اي عاطفة لحظياً) من هنا، تقارير لحقوق الإنسان الاجنبية وبعض المحلية تأتي من المشرحة بمرافقة المصورين والجرائد وتصور الجثث للمرة الثانية وتُظهر تكدسها خارج المشرحة وتسمع اتهامات باحتقار المشرحة للإنسانية، وتستغل قصر إمكانيات المشرحة في توفير التبريد والثلج وعجزها الاستيعابي لترويج أن الحكومة تجرم في الإنسانية وتقنع المصريين أن المذبجة المفجعة وصلت الى ذروتها
6 - هبوط غزير ثاني لمراسلين أجانب لنقل وإثبات ان ما حدث إنقلابا عسكريا حقيقيا بآلة أمنية دموية مع عدم ذكر أي معلومات عن حرق كنائس-مباني-تمثيل بجثث، قتل، او تدمير آثار من جانب الإخوان،  وتعمد التغاضي عن مقتل 70 شرطي-عسكري. والتجريح المتعمد في السياسات "العسكرية" حسب وصفهم بل واتهام المصريين في الشارع بالبلطجة، وقد تحدثت الى العديد من هؤلاء المراسلين الذين يهبطون بالمنطاد دون علم بشيء سابق ولم أجد منهم إلا كل جهل بالمعلومات وقصر في الثقافة وبلاهة في العلم القانوني بل والجهل في مبادىء الصحافة نفسها! فاضطر أحدهم للاستماع إلي واتباعي بعد توبيخه على عدم علمه بقانون الطوارىء! وقد بدأ أحد قارئيه يشك في مصداقيتة كلامه من قبل.
7 - سيستمر الإخوان فيما كانوا يفعلونه منذ الاعتصام، والهدف هو كتلة المصريين الحرجة الآن، فقد بدأوا بالفعل في انطلاقهم في مأموريات إزعاج لاستفزاز الأمن (بالسلاح في البداية)، ثم تصدير كتلة السلميين والنسوة في مواجهة سلاح الأمن والبحث عن اللحظة المناسبة كلحظة مسجد الفتح لإعادة ترويج صورة الضحية المجني عليها.

وباستمرار تلك العمليت يتم تحقيق الأهداف التالية:

1- "تصدير الخوف" للمجتمع، وهي خطة أصيلة ومتاصلة في كتاب استراتيجيات الجماعة. حتى يشعر المصري بعدم الأمن او الامان. 
2- ترويج الإشاعات أو الأكاذيب، وهي بالونات لتصعيد حالة التوتر، والضغط النفسي حتى يتم إرهاق المصري.
3- تعميق أثر الحرب النفسية ضد صفوف 30 يونيو بشكل انتقامي، فيُتم تصدير صورة قتلى الإخوان وعددهم الكبير لإعطاء الانطباع ان السيسي هو نظام طنطاوي وان هو العسكر الذي يعود للحكم
4- وبالدم وقتلى الاسلاميين البرئين وغير البريئين يستطيع الناس تقبل هذا المنطق بسهولة، ورويدا رويدا، يخرج من يلعن الجيش، ويلعن الجيش والإخوان معا (الميدان الثالث) ومن يلعن الجيش والشعب معا، ومن يقول ان شرطة مبارك عادت لتنتقم من الثوار والإخوان وأنهم يذبحون خلق الله في الشوارع للتسليه (و"الدور قادم علينا!!")، ومن يقول ان الشعب كله قمامة وخنازير لا يرقون لجلالته وسمو عرقه ونقاء دمه ورفعة نبله، فيلعن مصر بلده، ويسخر من الانتماء إليها، بل ويلعن الكوكب كله لأن لا عقل راجح لأحد غيره ولا أحد يحترم الانسانية غيره. بين هذا وذاك يتم التضارب، والاتهامات المتناقلة ان ثورة 30 تابعة للعسكر وأن "تمرد" كانت مدفوعة، ومن يؤيدها لا إنسانية له، وإعادة تعريف "الانسانية" ذاتها، فتضعف جبهة 30 يونيو بالانشقاق العميق وتصاب في مقتل.
5- في نفس الوقت، تعمل الوكالات الأجنبية على تحقيق صورة سياسية ترغب فيها أمريكا (التي تتحكم في آله إعلامية نافذة في العالم كله اسطاعت أن تعطي به إسرائيل غطاء شرعي لأي قتل) فيتم تحقيق التضييق السياسي والاقتصادي على مصر، ويستغل الإخوان المنظمة العالمية المتمركزة في تركيا، وفروعها في ألمانيا وأمريكا وانجلترا لدفع خطة تشويه الحكم في مصر وإعطائه صبغة الدم والفاشية. وتصدير صورة أن "الكل قاتل ومسؤول" و"الدم في يد الكل" و"كانا وحوش".
6- تدويل الأزمة وإظهار الأمر على أن الأزمة بين "طرفين" او "رأيين" أو "فصيلين"، وتكون الأزمة ذريعة للتدخل الدولي، وفرض شروط دولية.
7- الإمعان في إحداث الاشتباكات المسلحة، ثم من يسقط منهم من يسقط، إما هاربين من عربة نقل سجناء أو مختبئين في مسيرات يقال أنها "سلمية". ومن يُقتل من الشرطة او الجيش أو حتى الشعب فـ "الله أكبر ولله الحمد"، و "إن النصر قادم والإسلام قادم"، و "لعنة الله على السيسي القاتل سنقتله ونمثل به هو كل الانقلابيين".
8- تصدير مبادرات وشخصيات عامة بصبغة غير إسلامية كمخرج آمن مُحتمل للهروب من موت التنظيم الإخواني المصري والدولي. وبداية الحديث عن عودة "للمصالحة الوطنية".  وقد تتخيل أسامي تباكت على الشاشة، واستقالت من الحكومة، وكتبت في "الشروق" لتفرض عليك فكرة كوكا كولا "ليه لأ؟" أن نعيش مع شخص قد يرفع عليك السلاح إذا لم يحكمك، أو يتآمر عليك ليحقق مصالح "إسلامية" مزعومة في خدمة الرجعية التي تريدها امريكا؟!
9- التأكيد على فكرة أن ما يجري في مصر "أزمة" لا حرب على تطرف، "خلاف سياسي" لا دفاع عن أمن قومي. فيكون الحديث العالمي والمحلي في موضع غير ومضعه.

في النهاية، انصح، الفتنة أنت تقع فيها بكل سهولة ويسر وانت أرض خصبة لاستقبال ذلك، لأنك كمصري عاطفي جدا، وتبحث عن مثاليات مطلوبة ومرغوبة في وقت ومكان كل شيء يسير فيه بسرعة وعنف وتضارب وقسوة، والتصرف فيه لا يكون مثاليا أبدا في ظل دولة يتهافت عليها العالم كله! يجب أن تعي ذلك قبل أن تجد نفسك أسوأ مما انت عليه الآن، أسوأ من حالة "لقد فقدت الإحساس من كثرة الحزن والبكاء"، لأنك وصلت إلى حالة الـ (fatigue) وهذا يعني أن كل أعدائك يا مصري انتصروا عليك، نفسيا وعقليا ودوليا ومحليا وإعلاميا وربما في القريب... تسليحا (يعني جيشك الذي تسبه ليل نهار)، فربما، بسلبيتك، وتصميمك على تعميق الانشقاق تتسبب في هزيمة جيشك، وتخسر أنت قبله، انتبه أنه جيشك قبل اي شيء ومهما اختلفت مع أفراد منه، كلنا كنا ضد طنطاوي والمجلس العسكري، وضد كل ملعون عرى أو  قتل أنتهك حرماتنا، لكن لا يعنى ذلك أن نضع الأمور في غير موضعها ونحاسب صديق صفعنا في ميدان حرب يطلق العدو فيه عليك الرصاص طول الوقت، أفيقوا، العالم كله يراقبكم وينتظر ما ستفعلون، استطعتم تعليم العالم الكثير، فلا تفرحوا أعداءكم فيكم وتستسلموا لخلافاتكم الضئيلة. إن كنت ترى أخطاءا، وهذا واردا وبديهيا، تكلم، اصرخ، بلغ، أدي الامانة وقول رأيك وناقش، لكن لا تقف ضد أجمل ما كنت تصنعه في 30 يونيو. بعلم مصري، ووجودكم في الشارع، رعبتم عرش أمريكا واوباما والـ (AIPAC)، اليوم هم يخططون لتدمير كل ما حققتموه. فلا تنحني بيأسك، ولعنك للقاصي والداني. مصر تكون بتلاحمنا كلنا، والمصريين بس! اللي يشيل سلاح هما الجيش والشرطة وبس! وأي أحد غيرهم إر-ها-بي، لا تلوموا أحد على موته سواه فالله يتولاه. في الاشتباكات مع أناس لا يحترمون الكلمة ولا الأخلاق ولا حتى حرمة الأموات لا تثق في كلامهم، إنهم بينكم، قريبون منكم جدا، يصدرون لكم ما يشككم في موقفكم، سيصلون أليكم بكل الوسائل، عن طريق الأصدقاء، الأقارب والجيران، وسيفعلون المستحيل ليجعلوكم تحزنوا وتبكوا بحورا من أجل قتلى، وسنبكي جميعا، لأننا نقدر روح الانسان التي كرمها الله، لكن صدقني يا عزيزي، إذا مت أنت فسيهللون "الله اكبر جاء النصر" وهذا ما فعلوه اليوم. كن مع الثورة، لا عسكر يحكم، هناك جيش يحمي، وهو جيش ملكك، جيش مصري، هناك عالم ينظر، كن مع الثورة، كن انت الثورة، شد الهمة، واثبت يا رجل، إثبت مكانك. 

Comments