مراجعة رواية كوبرا الملك



كوبرا الملك... بطل ملوث يحارب أشرار أكثر فسادًا

بقلم: نادر أسامه
المحرر بوكالة Mad Solutions

عندما أهداني صديقي محمد خيري نسخة من روايته المستقبلية كوبرا الملك، أخذتها منه على وعد بالقراءة الفورية وإبداء الرأي.. وفي قرارة نفسي، ومنذ أن سلمها لي كنت قلقًا من لحظة سؤاله عن انطباعي عنها، نظرًا لظني وقتها بأني سأقرأ عملاً لا يحمل في طياته أكثر من أراء مثالية، وإدعاء الأهمية بلا عمق حقيقي.. لكن ما وجدته بعد ذلك، كان شيئًا مخالفًا تمامًا وجاوز كل توقعاتي.

في البداية أحب أن أذكر أني إلتهمت الرواية كامله على جلستين فقط، وما أن بدأت فيها وجدتنى ألهث معها ووراء أحداثها المتلاحقة التي لم تعطيني فرصة لالتقاط الأنفاس.. الرواية تدور في المستقبل القريب، حيث تحولت مصر إلى عزبة فساد حقيقية.. بلد مهلهل من جميع الجوانب، يستشري الفساد فيه بطريقة لم ترد في أكثر خيالتنا جموحًا.. مملكة للشر ومواطنين أشرار.. فساد حكومي، فساد رئاسي، فساد أخلاق، فساد أذواق، فساد الفطرة البشرية ككل... وفي مثل هذا العالم الخانق، والأجواء المنذرة بكارثة.. انتشرت الوطاويط، وخرجت الأثام من جحورها.. وعادت عبادة الشيطان تظهر مرة أخرى، وحكم من يدعون انفسهم بالـ ديمونز شوارع القاهرة ليلاً، وتركوها لطيور الظلام لتحكمها نهارًا.

لكن من رحم الفساد، وكم المُعاناة والألم التي يعيشها الناس.. يولد بطل.. بالضبط مثل الحمل عند السيدات.. تأتى بعده ألام المخاض، ثم ألام الوضع.. وتظهر حياه جديدة من العدم.. يظهر الكوبرا ويحاول تصحيح الأوضاع.. بطل مُقنع هو على غرار أبطال الغرب، لا يكشف عن هويته، ولا يخلع قناعه، ولا يسعى لمجد شخصي.. ثعبان أو كوبرا كما يطلق على نفسه.. ليس نقيًا جدًا، ولا طاهرًا، ولا يحمل أى من صفات الأنبياء.. بل هو مثل الذين يحاربهم، ملوث مثلهم بهواء القاهرة الفاسد، ملطخ بالدم، تحركه رغبة عارمه فى الإنتقام.

لكن ترى هل ينجح؟ وهل يستطيع وحده أن يحدث فارقًا؟ بالطبع لا.. حتى وإن رأيناه في النهاية قد حاز على انتقامه وتخلص من جميع معارضيه وخصومه، إلا إنه يصبح مطاردًا، تائهًا لايعلم إلى أين يذهب.. مثله مثل الملايين من أبناء البلد.

تتمسح الرواية بأدب يعرف عادةً بأدب ما بعد المحرقة، وإن لم تكن كذلك تمامًا.. لكنك ستستشعر كثير من خصائص هذا النوع من الأدب فيها.. المستقبل المظلم، الضياع، سيطرة العصابات مجددًا على المدن والشوارع، ظهور بطل أوحد، لا يعرف الرحمه، لكنه على الرغم من هذا يحمل بداخله خيرًا.. فقط لا يرحم هؤلاء من لا يستحقون الرحمة.. فبشخصية أدم أو الكوبرا أراد محمد خيري تأكيد معنى أنه لا يوجد ما يسمى بالخير المطلق، أو البطل الأمثل، ذلك الذي نراه في الأفلام، والذي يعيش نقيًا أبدًا بلا أثام.. لذا قام بنسجه كـ Anti-Hero أو نقيض البطل.. وكان هو الرسم الأمثل للشخصية، التي تخرج من مثل ذلك المجتمع.

من ناحية أخرى.. ومن منظور تقني بحت، فرواية كوبرا الملك ليست رواية بالعمل المفهوم، بل هي إلى الفيلم المقروء أقرب، نوع جديد من الأدب لم نألفه كثيرًا بالعربية، فهي شيء هجين ما بين القصة والسيناريو.. يغلب عليها الحوار، ويقل فيها السرد القصصي، الذي يأتي فقط كشرح لخلفية المشهد الذي يدور فوقه الحوار، لكن دون استخدام وصف مطول أو ممل.. أما الحوار - الذي يمزج بين العامية والفصحى ولغة الشارع - فهو نقطة التميز الرئيسية في الرواية، وقوتها الضاربة بكل تأكيد.

الرواية جذابه وممتعه بحق، وتستحق تحويلها إلى عمل سينمائي حيث إنها تملك كل مقومات السيناريو الناجح، فأنت تقرأه وكأنك هناك، في قلب الأحداث.. حتى لستستشعر حرارة أنفاس الشخصيات، وتكاد تشم رائحتهم.

استطاع محمد خيري أن يكتب حواره برشاقه، وذكاء، وأكثر كم ممكن من الكوميديا السوداء.. كل معلومه تقال على لسان الأبطال يحسن استخدامها، ولها أهميتها التي لن تكتشفها سوى في تتابعات نهاية الرواية.. كل فصل يختتم يغلق جزء من الدائرة التي ستكتمل في نهاية الأحداث.. بصراحه أكثر ما أعجبني هو الأسلوب المتمكن في إنهاء كل فصل بمزحه أو جمله حواريه تشعل حماسك للفصل التالي، وتؤكد إننا على أعتاب اكتشاف كاتب حوار متميز للغاية سيكون له شأن مهم في المستقبل إذا أخذ الفرصه، فقط إذا لم يأت المستقبل كما تصوره هو في خيالاته.



Comments