أنت من تمول القتل - أين يذهب منكم الفتات؟؟

ظهرت في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد الثورة، ظاهرة مستفزة ووقحة في المناطق العامة التي يكثر بها ركنات السيارات. وهي ظاهرة "السايس" أو "الركين"، هذا الشخص معدوم الدخ الذي يقفذ من تحت الأسفلت أمامك وأنت في لحظة ركن سيارتك، ويصدر إشارة تعارف عقيمة غالبا ما تبدأ بـ "أيوة يا باشا"  وكأنه يلبي نداءاً لك قمت به في سرك! والمراد هو أن يُعلمك بأنه موجود وأنه هو حارس المنطقة الخادم لأهلها والذي يقوم بتركين السيارات. سرعان ما أصبحت هذه وظيفة واسعة الإنتشار في معظم المناطق. يفرض عليك الركين أن تعطيه من مالك مبلغاً يحدده هو فقط، ويفرض عليك أيضا أن يعطيه أجراً قبل مغادرتك للسيارة خوفا من أن تفلت منه وأنت تغادر عن المكان بعد انتهاء مهمتك! يا لها من مهنة مشرفة يمارس فيها البلطجة الصريحة والخروج السافر عن القانون. وربما يظن البعض أنه موضوع تافه لا أهمية له، ولكن إن تمعنت به قليلا لوجدته موضوعا خطيرا. 



عندما كنت في مرحلة الدراسة بكلية الهندسة في جامعة القاهرة، كان الركينة يأخذون من الطلاب أصحاب السيارات جنيها ونصف (من كل طالب). وبعد الثورة، كنت في مرحلة الماجستير وصدمت بأن التسعيرة أصبحت 3 جنيهات! الركين من هؤلاء لا يناقش الطالب، بل يفرض عليه التسعيرة بكل وقاحة، وإن لم يدفع الطالب، يخلي الركين مسؤوليته عن ما قد يصيب السيارة من أذى! وهذا تهديدا صريحا لأن البديهي أن الأذى لن يأتي إلا ممن "يحرس" المنطقة! في نفس الوقت، كانت الزمالك هادئة، تحت كوبري 26 يوليو كانت الأماكن المتاحة لركن السيارات متاحة للجميع ولا ركينة بها، ومنذ سنة تقريبا، بدأت المنطقة تكتظ يالركينة في كل مكان وخاصة في الليل، والمسخرة هي أن الركين يفرض تسعيرة 5 جنيهات، ولا يفلت المرء منه إلا إذا دفع، وإلا يتحمل عواقب ما يجري لسيارته. 

وقد تسألني، لماذا تمانع إعطاء صدقة أو أجر لمن يركن سيارتك؟ إجابتي بسيطة: أولا لأنها ليست صدقة، إنها أجر... لأننا نعطي هذا المبلغ لمن يظن أنه يمارس عملاً، والعمل يقتضي الأجر. ثانياً، هذا الأجر غير قانوني، لأن العمل الذي يقوم به الركين غير قانوني أيضا، ولا يقع عمله في أي إطار قانوني، ثالثا، لأن من يقود لسيارة حاصل على رخصة قيادة ويستطيع ركن السيارة بنفسة وليس بحاجة لمن يستغله. رابعا، وهنا الخطر، هو أنك يا قائد السيارة لا تعلم أين تذهب أموالك، لأنك لا تعلم من الشخص الذي يعطيه مالك.

إذا قمنا بعميلة حسابية بسيطة، وافترضنا أن 500 سيارة تُركن في جامعة القاهرة يوميا، يكون ناتج الضرب = 1500 جنيه
وفي الشهر = 1500 * 30 = 45000 جنيه

وغالبا ما يكون هناك 10 أفراد يديرون المنطقة، فالركين الواحد أجره في الشهر = 4500...  وهذا أكثر من أجر المهندس الخريج بـ 2500 جنيه!!

أما الزمالك، 400 سيارة يوميا، 400 * 5 = 2000، وشهريا = 60000 جنيه

واقسمها على 12 فرد ركين فيكون المجموع = 5000 جنيه وهذا أجر مهندس بخبرة 7-10 سنوات في مصر

تخيل سيادتك، مجموع الأموال المجمعة من جميع مناطق القاهرة إذا كانت هناك 50 منطقة عامة حيوية، ومن كل منطقة يخرج متوسط 50000 جنيه، يكون المجموع = 2,500,000 جنيه شهريا! يعني 30 مليون في السنة.

30 مليون في السنة، أين تذهب؟ أين يذهب الفتات الذي يسقط من جيبك؟ أتريد أن تعرف؟ هذه الأموال تذهب لمصدرين محتملين لا ثالث لهما:

1) أعمال البلطجة، وصناعة الأسلحة المحلية وتجارة المخدرات وكل أنواع الجرائم المرتبطة بأهل الفوضى التي تغاضى عنها مبارك واستغلتها مباحث وزارة الداخلية...

2) الأموال يذهب النصيب الأكبر منها لوزارة الداخلية شخصياً، لماذا؟ لأن من يسكت عن البلطجة ولا يردعها هو في الأصل راعيها وصانعها والمستفيد منها. 30 مليون جنيه قد تسلح الضباط ويُشترى بها قنابل الغاز التي تضربنا بها الشرطة في التظاهرات، والرصاص الذي يقتل الشهداء! أليس كذلك؟ أليس الساكت عن ذلك هو من يسمح بذلك، وهو من يصنع ذلك عقابا لشباب مصر على ثورتهم؟

أعتقد أن هذا العبث آن الأوان أن نأخذ له وقفة صارمة. لا أجر للبلطجية الذين يقتلونك، لا صدقة لمن يسعى في الأرض فسادا. الجنيه الخارج من جيبك لهؤلاء هو رصاصة تقتلك أو سكين يذبح مواطنا آخر. 





Comments