القول الوضاح في شأن العسكر والسلاح

لا ينكر أحد من ثوار مصر أن أي مشهد يشوبه الدماء يقع على القلب بالحزن والبكاء، حتى في سقوط خصوم أو أعداء. ويلاحظ المرء تشتت القلوب الرحيمة المصرية التي نعرفها تعاطفا واضحا مع الذين قتلوا اليوم فجرا في حدود دار الحرس الجمهوري. وهناك رواية عند العسكر، وأخرى عند بني الإخوان. 

الأولى تتبرأ من إطلاق الرصاص أو القتل العمد من طرف الضباط، مستندين على أدلة بعضها الآتي: أن صلاة الفجر تقام في الثالثة والنصف والاشتباكات وقعت في الخامسة، القبلة في اتجاه معاكس للعسكر وطلق النار أتى اتجاه القبلة لا العسكر، شهود عيان من العمارات المجاورة رأوا بدء ضرب رصاصات من طرف الإخوان أولا بعد دعوات التصعيد، وأن واجب العسكر حماية المقرات الاستراتيجية والأمن القومي من أي اعتداء بعد الانذار بضرب النار على أي معتدي (مصري كان أو أجنبي) وقد حدث أن أفراد تعدوا بالفعل على المباني وتسلقها، كما أن العسكر تمكن إيجاد أسلحة وقنابل في حقائب مقتنيات المؤيدين للرئيس المخلوع مرسي، وينوه بأنه تمكن من تسجيل كل ما حدث وسيبرهن للإعلام عن ضلوع الإخوان (أنفسهم) بإلباس الجيش تهمة القتل لتهيجة الثائرين على عليه بعد نصرته واستدعاء إعلام الغرب (وهذا ما حدث فعلا).

والثانية تقول أن العسكر ضرب المؤيدين بالنار أثناء الصلاة، وأسقطوا قتلى فقاوموهم وأدلتهم رصاصات (لبنادق آلية) فارغة وأخرى لم تطلق (وهذا غريب، لأن الرصاصة التي لا تطلق لا تخرج من خزينة السلاح - وقد ادعى أحد المتحدثين أن تلك هي رصاصات أفراد الجيش الحر الذين أسقطوها عنوة لتفادي ضرب الإخوان!)، وأن من مات مات من الجيش وانتهى الأمر على ذلك.

ولعل البعض يبكي كارها الجيش الآن متهمه بالقتل العمد وتحمل إزهاق 50 روح من مؤيدي مرسي. ولعله يتهم كل من يناصر الجيش ويصدق أدلته بالتحول والتواطؤ ضد حق الإنسانية والمبادىء الأخلاقية في الكلمة والموقف الثابت الواضح المتحيز للحق مهما تغيرت الأمور. لعله يقول هذا ما فعله العسكر بالثوار في حادثة ماسبيرو ومجلس الوزراء واليوم نسلط خصوم الماضي ضد خصوم الحاضر!

وهنا حجتي وأظنها منطقية وعادلة:

القول الأول: فإن خصوم الحاضر (القوى المتأسلمة) كانوا دائما خصوم الماضي وإن ظهروا وأظهروا عكس ذلك. وأنا شاهد عيان على سيطرتهم على الجامعات والنقابات تحت إشراف الداخلية زمن مبارك (وكان هذا لهدف إبعاد القوى الشبابية التنموية التي تبشر بتداول السلطة والديمقراطية)

القول ثاني: أن المؤسسة العسكرية (القوات المسلحة) كان بها فساد بالفعل في زمن مبارك (أي طنطاوي) وكان جل الفساد "يظهر" لي في قيادات الجيش وأخص بالذكر المشير السابق طنطاوي وسامي عنان وحمدي بدين وممدوح شاهين والرويني. وهذه أسبابي، لأن المرء شهد في عهدهم جرائم رأيها ورآها الإعلام والعالم وشهد الثوار عليها بذلك، فأنا لا أنكر أن ست البنات تأذت، وأن الرجال الثوار والثائرات ضربن بل قتل منهم أيضا (لأنني رأت رصاصا يضرب على المعتصمين) ولعل إصابة أعز أصدقائي برصاصة خارقة حارقة في كتفه في أحداث محمد محمود 2011 خير دليل لي على ذلك، ورأيت ضباطا وجنودا يتبولون على الثائرين من أعلى العمارات، ورأيت التباطؤ والتواطؤ مع أنصار نظام مبارك، ورأيت الرويني يوبخ أحد معتصمي التحرير ويتهم فصيل ثوري بالعمالة دون دليل، ورأيت ما رأيت من مهازل تمت في عهد المجلس العسكري الأول، وهتفت يسقط حكم العسكر مع الملايين في التحرير أثناء ضرب الغاز وكان الإخوان يضربوننا ويسبوننا ويقولون "عسكر مية مية" و"يا طنطاوي يا مشير أنت الأمير" لأن المجلس العسكري ممثلا في ممدوح شاهين أعطى للقوى الإسلامية البرلمان والدولة كاملة، منذ استفتاء العار (19 مارس) الذي قسم الشعب وحتى وصل بنا الحال الى مرسي. فهذا المجلس العسكري كان يتحمل الكثير من الجرائم التي لا أنكرها، ولعل أبشعها حادثة "ماسبيرو".
فكان خلافنا وخصومتنا، كثوار، مع المجلس العسكري الأول هو الابتعاد عن تحقيق أهداف الثورة بفشل المنهجية المقترحة من طرفة وتحت إشرافه، والتي استفاد منها الاسلاميين في مرحلة كان عنوانها المصلحة والمصلحة أولا (من أطراف حتى خارج الإسلام السياسي). فنحن إن وجدنا هذه المنهجية اليوم لعارضناها ثانية ليس لأجل شخص من وضعها (العسكر) بل... بسبب منطقها وطبيعتها وملائمتها مع أهداف الطليعة الثورية والشعب. الخلاصة: نحن لا نؤيد عسكر لأنهم عسكر، بل مبدأ الطرف المتولي سلطة البلاد.
أ
القول الثالث: أما وقد ظهر لنا كل إفساد الجماعة المتأسلمة خلال السنة المنصرمة، وأخذتنا الطليعة الثورية الى بر نجاة من حكم استبدادي باسم الدين، فاستنتجنا أن قيادة الجيش الحالية متمثلة في الفريق عبد الفتاح السيسي (الذي أسأت أنا به الظن كثيراً وفي انتماءاته السياسية) قد ناصرت مطالب الشعب وندائه واستيقذت الشرطة من غفوتها بعد أن ذاقت من كأس ألم القتل والظلم والضحايا على يد الجماعات الإسلامية، فكانت حكمة الله تعالى في أن جمع قلوب أطراف الشعب المصري في مصالحة واحدة وراية واحدة وهي حماية مصر من الخطر والتهديد. وتمكن المصريون من الثقة في المؤسسة العسكرية بعد أن سلم السيسي السلطة للمدنيين، فضرب الشعب تعظيم سلام وقالوا عنه البطل، بل ووقفوا مع موقف الجيش ضد الإعلام الأمريكي. فكان الثوار هذه المرة يؤيدون المبدأ أيضا لا العسكر لأجل العسكر أو عبادة صنم، بل أيدوا الجيش لأنه وقف معهم واستخدم كلمات وطنية وخطاب آسر وحاشد للقلوب. 

القول الرابع: في السابق، كان العسكر (تحت قيادة المجلس العسكري الأول) يتحمل مسؤولية هجوم جنوده على معتصمين في ميدان لا يقرب من منشأة استراتيجية، وكان المعتصمون سلميون يأتيهم الجند لفض الاعتصام بالقوة وهذا ما حاربنا ضده. أما الآن، فمعتصمي الحرس الجمهوري يهددون ليلا نهارا سرا جهارا بأنهم سيقتحموا دار الحرس ويصعدوا الأمر وسيأخذوا رئيسهم من الداخل (لا أعلم كيف هذا!) ولعلكم رأيتم إجرام مناصريهم في كل مصر، والشخوص الذين يقتلون أعوانهم لإلصاق الجريمة بالجيش، وقد أصدق هذا خاصة عن جماعة تعتقد أن القتل وسيلة استشهادية لبلوغ مآرب إسلامية ومن يقدم هذا له أجر على ذلك، فنحن دائما نسمع كلمة "الاستعداد للشهادة" و"الحرب" و"الدم" و"الانفجار" و"النار" في كلامهم. أنا اليوم أصدق الجيش لا لأنه الجيش ولا لأنه في صف الثوار والمصلحة تحتم هذا، كلا ولا أرضى بذلك، ولكن لأنني أعي أن التحليل والحكم على الأمر يستوجب أدلة والأدلة على العنف بدأه ويستمر فيه الإخوان والإسلاميين حتى الآن، وان قيادة الجيش البوم مخلصة للثورة وعموم الشعب. فأنا لم أرى ،كما رأيت سابقا، السلاح المشهور في وجه أحدهم ويصيبه بالرصاص مباشرة، لم أرى سوى صور لأموات بعد الحادثة، وصورة لأطفال غارقين في الدماء (اتضح بعد ذلك أنها صور من أحداث مجازر في سوريا السنةالماضية)، ومن يكذب مرة يكذب دائما. كما أن الاعتداء على المواقع العسكرية إعلان حرب صريح، وواجب أي جندي إطلاق النار على أي معتدي، فنحن لم نكن نعتدي على مواقع للجيش من قبل ونقصد اختراقها كما هو الحال الآن.

القول الخامس: الشريعة الاسلامية تنص أن أهل الحل والعقد (ومنهم القوات المسلحة والشرطة وغالبية الشعب) لهم حق الدفاع عن النفس ومؤسسات الدولة والأمن القومي فالقتل نفسة مشروع وقانوني في حالة التهديد أو التعدي من معتدي بالسلاح أو الإنذارات. كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ خَرَجَ مِن الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الجماعةَ فماتَ ماتَ مِيتةً جَاهلية، وَمَنْ قَاتلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أو يَدْعُو إِلى عَصبَةٍ، أو يَنْصُرُ عَصَبَة، فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِليَّةٌ، وَمَن خَرَجَ عَلى أُمَّتي يَضرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَها، لا يَتَحَاشى مِنْ مؤمِنها، ولا يَفي بِعَهدِ ذِي عَهدِها، فَلَيْسَ مِني، وَلَسْتُ منه" توضيح وبيان للمعنى: المقصود من الجماعة هم عموم المسلمين الحنيفيين وليسوا جماعة "الإخوان"، والطاعة في الحق والعدل والبر (على أهل الذمة وباقي الملل على عين ورأس هم اخوة وطن وصهر ودم)

واعتقادي أن الجيش لم يرتكب مجزرة ويبدو لي أن الأمر معد للفتنة والوقيعة في صفوف الثوار. وإن كنت على باطل فسيظهر الله تعالى الحق.

Comments